الخرف هو اسمٌ يُطلق على متلازمة تؤدّي إلى تدهور القدرات المعرفية مع الوقت، وهو مصطلح شامل يصف مجموعة من الاضطرابات التي تؤثر على الذاكرة، والتفكير، والفهم، والحساب، والقدرة على الحكم. يمكن أن تترافق هذه الإعاقات مع تغيّرات في المزاج، والتحكم بالانفعالات، والسلوك، والتحفيز. يحتلّ الخرف المرتبة السابعة في قائمة أبرز أسباب الوفاة بين الأمراض كافة في العالم، ويشكّل سببًا رئيسيًا للإعاقة بين كبار السنّ.
لا يوجد علاجٌ شافٍ للخرف، وبالتالي يشكّل العلاج والوقاية الدرع الأساسي في محاربة بداية التدهور المعرفي. أشارت منظّمة الصحّة العالمية إلى بعض الحقائق الرئيسية حول الخرف، كالآتي:
مرض ألزهايمر: مرض ألزهايمر هو السبب الأكثر شيوعًا للخرف. على الرغم من عدم معرفة جميع أسباب هذا المرض، يجزم الخبراء بأنّ نسبة مئوية صغيرة ترتبط بطفرات في ثلاث جينات يمكن أن يتوارثها الأبناء عن آبائهم. تظهر لدى مرضى ألزهايمر لويحات وحُبيكات على مستوى الدماغ. اللويحات عبارة عن تكتّلات بروتين تُدعى (بيتا-أميلويد)، أما الحُبيكات فهي عبارة عن تشابكات ليفيّة تتكوّن من بروتين تاو. ويُعتقَد بأنّ هذه التكتّلات تتلف الخلايا العصبية السليمة والألياف التي تربطها.
الخرف الوعائي: ينجم هذا النوع من الخرف عن تلف الأوعية التي تزوّد الدماغ بالدم. يمكن أن تؤدي مشاكل الأوعية الدموية إلى سكتات دماغية أو تؤثر على الدماغ بطرق أخرى، كإتلاف الألياف في المادة البيضاء في الدماغ. تشمل علامات الخرف الوعائي الأكثر شيوعًا صعوبات في حل المشاكل، وتباطؤ في التفكير، وفقدان التركيز والتنظيم، وتميل إلى أن تتجلّى بوضوح أكبر مقارنة بفقدان الذاكرة.
خرف أجسام ليوي: أجسام ليوي هي عبارة عن تكتّلات شاذّة من البروتين تشبه البالونات تم رصدُها في أدمغة الأشخاص المصابين بخرف أجسام ليوي، ومرض ألزهايمر، وداء باركنسون. خرف أجسام ليوي هو أحد أكثر أنواع الخرف التدريجي شيوعًا. تشمل العلامات والأعراض الشائعة تمثيل الأحلام أثناء النوم، ورؤية أشياء غير موجودة (هلوسات بصرية)، ومشاكل في التركيز والانتباه. كما تشمل العلامات الأخرى حركة بطيئة أو غير منسّقة بالإضافة إلى الرُّعاش وعدم المرونة (داء باركِنسون).
الخرف الجبهي الصدغي: هو عبارة عن مجموعة أمراض تتّسم بانكسار الخلايا العصبية وروابطها في الفصّين الجبهي والصدغي للدماغ، وهما المنطقتان اللتان ترتبطان عمومًا بالشخصية، والسلوك، والنطق. تؤثّر الأعراض الشائعة على السلوك، والشخصية، والتفكير، والقدرة على الحكم، والنطق، والحركة.
الخرف المختلط: تشير دراسات تشريح أدمغة أشخاص في الثمانين من العمر وما فوق أصيبوا بالخرف إلى مجموعة أسباب تجلّت لدى العديد منهم وشملت مرض ألزهايمر، والخرف الوعائي، وخرف أجسام ليوي. إلى ذلك، تُجرى دراسات لتحديد كيفيّة تأثير الإصابة بالخرف المختلط على الأعراض والعلاجات.
قد ينجم الخرف أيضًا عن اضطرابات أخرى، أو يمكن الإصابة به بالتزامن مع اضطراب آخر، وأبرزها:
الأعراض المبكرة:
عادة ما تكون أعراض الخرف المبكرة طفيفة وقد يتم إغفالها أو التغاضي عنها بسبب البدء التدريجي لظهور الأعراض.
أعراض المرحلة الوسطى:
تزداد حدة الأعراض مع تقدّم المرض. تتعدّد أعراض المرض ويصعب تجاهلها، فقد يحتاج المريض إلى المساعدة في تناول الطعام، وارتداء الملابس، واستخدام المرحاض.
الأعراض الرئيسية في المرحلة المعتدلة هي:
أعراض المرحلة المتأخرة:
عند هذه المرحلة، يعتمد مريض الخرف على الآخرين بالكامل تقريبًا ليتمكّن من تأدية المهام اليومية، ولن يكون قادرًا على الاستجابة لمحيطه المباشر، والتكلّم، والتعبير عن احتياجاته، والتحكم بحركته الجسدية.
الأعراض الرئيسية في المرحلة المتأخرة هي:
تتمثّل الخطوة الأولى في تشخيص أي اضطراب عقليّ أو حالات جسديّة متّصلة أخرى في استبعاد أي أمراض جسديّة أخرى محتملة.
يتطلب التشخيص إجراء فحص على يد متخصص مؤهل. باستطاعة مقدّمي الرعاية الصحية المدرّبين دون سواهم تشخيص و/أو معالجة أي اضطراب عقلي، إضافة إلى من تلقّوا التدريب خصيصًا لتشخيص هذه الحالات وعلاجها (مثل متخصص علم النفس، والطبيب النفسي، وطبيب الأعصاب، والأطباء النفسيين للمسنّين).
ثمة طرق عدّة لتشخيص هذه الحالات، وليس هناك من اختبار واحد يمكنه تحديد وجود الحالة أو المرض. لذا، يقوم الأطباء بمراجعة التاريخ الطبي للشخص وأعراضه وتقييمهما، بالإضافة إلى إجراء عمليات التقييم، وصور المسح الدماغي، والتحاليل المخبريّة، ومن بينها:
الاختبارات المعرفيّة والنفسية العصبية: هي اختبارات من شأنها تقييم قدرة المرء على التفكير، واختبار ذاكرة الشخص، والاستدلال العقلي، والحكم على الأمور، والمهارات اللغوية، والانتباه.
التقييم العصبي: هو عبارة عن اختبارات تستخدم لتقييم المقدرة اللغوية، والإدراك البصري، والانتباه، والقدرة على حل المشكلات، والحركة، والحواس، والتوازن، وردود الفعل، ومجالات أخرى.
صور المسح الدماغي: يمكن إجراء بعض الصور مثل الأشعة المقطعية، والتصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني.
هناك فحوص مخبرية مختلفة يمكنها الكشف عن المشكلات الجسدية التي من شأنها التأثير على وظائف الدماغ عمومًا، مما قد يشير إلى وجود علامات مرض ألزهايمر أو الخرف،
يمكن أن يكشف التقييم النفسي عن أنماط فقدان المهارات والوظائف. كما يحدّد التقييم ما يستطيع الفرد فعله وما يعجز عن فعله عندما يتعلق الأمر بالإعاقات المعروفة المرتبطة بالخرف وبمرض ألزهايمر.
يمكن السيطرة على أعراض الخرف وتحسينها من خلال توفير العلاج المناسب، والأدوية، وتغيير نمط الحياة، واعتماد نُهُج مختلفة للعلاجات. وبما أن الخرف متلازمة غير قابلة للشفاء، تؤدي هذه الأساليب دورًا مهمًا في توفير الرفاهية للمصابين وتلبية تطلعاتهم العامة.
الأدوية التي تستهدف الخرف بشكل مباشر هي:
مثبطات انزيم الكولين إستيراز: هي أدوية تعمل على زيادة مستوى النشاط الذي يدخل في عمل الذاكرة وتقييم الأمور.
تضمّ العلامات التجارية الجنيسة لهذه الأدوية:
ميمانتين: وهي أدوية تعمل على تنظيم وظائف الدماغ كالتعلّم والذاكرة، ويمكن أن تندرج تحت العلامة التجارية الجنيسة (نامندا)
تعالج الأدوية الأعراض التي قد لا تُنسب مباشرة إلى الخرف أو مرض ألزهايمر، إلا أنها تخفف الأعراض المرتبطة بالاضطرابات المرضية المُصاحبة.
ويمكن أن تشمل هذه الأدوية:
العلاجات: تتوفّر أشكال متعددة من العلاجات التي تساعد في التصدّي لعدد من الأعراض والمشاكل السلوكيّة.
النهج القائم على الأدلّة والذي يهدف إلى علاج الخرف ويُعرف باسم علاج التحفيز المعرفي (Cognitive Stimulation Therapy)
علاج التحفيز المعرفي (CST): علاج قائم على الأدلّة ويستهدف المُصابين بالخرف الذين يعانون حالات خفيفة إلى المعتدلة. تضمّ هذه المجموعات إجمالًا جلسات تجري كل أسبوعين وتهدف إلى إشراك مرضى الخرف، مع توفير بيئة تعلّمية مصمّمة لتلبية احتياجاتهم. تبيّن أن علاج التحفيز المعرفي يحسّن الوظيفة المعرفية بشكل عام، إضافة إلى فهم اللغة وإنتاجها، وجودة الحياة. كما أظهر هذا العلاج تحسّنًا في جودة حياة مرضى الخرف والمسؤولين عن رعايتهم على حدٍّ سواء.
النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي: تشير الأبحاث إلى أن الالتزام بنظام غذائي صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم، والمواظبة على ممارسة الرياضة كلها عوامل تلعب دورًا كبيرًا في التخفيف من الأعراض وتحسين جودة الحياة عمومًا. وتوصي إرشادات منظّمة الصحّة العالمية باعتماد هذه الأساليب للحدّ من مخاطر التراجع المعرفي والخرف.
بذلت منظّمة الصحّة العالمية، بالشراكة مع الدول الأعضاء والجهات الفاعلة من غير الدول، جهودًا تهدف إلى الوقاية من الخرف وإيجاد الدعم الذي يحتاجه الأفراد ومقدّمو الرعاية لهم. يهدف ذلك تحسين صحة ورفاه المصابين بالخرف.
يتم ذلك عبر تدخّلات متعدّدة تنظمّها منظمة الصحة العالمية. وتتضمّن هذه التدخّلات ما يلي:
تهدف هذه التدخلات مجتمعةً إلى التصدي للخرف بشكل شامل مع وضع معالم رئيسية يتعيّن بلوغها بحلول عام 2025. تقرّ منظّمة الصحة العالمية بأنه في ظل غياب علاج يشفي من الخرف، وُضِعت هذه الأهداف للحد من ظهور الخرف بين سكان العالم، وتخفيف العبء الإجمالي الذي يسببه.
يتطلّب تحقيق هذه المعالم تعاونًا على مختلف المستويات الحكوميّة مع القطاع الخاص، والأوساط العلمية، وأنظمة الرعاية الاجتماعية.
بحلول عام 2025، تكون منظمة الصحة العالمية قد حققت أهدافًا عالميّة عدّة في سبيل تحقيق هذه المعالم، وهي على الشكل التالي: