تسبب الاضطرابات الذهانية أنماط تفكير وتصوّرات خطيرة وغير طبيعية، وقد يفقد المصابون بهذه الاضطرابات اتصالهم بالواقع وتنتابهم أوهام وهلوسات. ونعني بالهلوسة اختبار أمور غير حقيقية عبر الحواس (الشمّ، اللمس، النظر، الشعور، السمع). أمّا التوهّم فهو حينما يعتقد الشخص بأمور ليست حقيقية كأن تستحوذ عليه فكرة أنّ أحدهم يترصّده أو أنّه يتلقى رسائل سرية عبر الراديو. تختلف هذه الاضطرابات من حيث مدّتها، فبعضها يستمر لمدى الحياة، في حين تدوم أخرى لفترة وجيزة من الزمن أو تأتي نتيجة مرض آخر (مثل الألزهايمر) أو تعاطي مواد الهلوسة أو حتى نتيجة حمّى شديدة.
من الضروري أن نلتفت هنا إلى أنّ الذّهان يكون عادةً عارضًا رئيسيًا، غير أنّ بعض الاضطرابات تُصنّف على أساس تسبّبها بنوبة ذهان لدى الشخص. وبالتالي قد تسبب اضطرابات أخرى نوبات ذهان قصيرة الأجل مثل الاكتئاب الجسيم أو الاضطراب ثنائي القطب.
من أبرز الاضطرابات الذهانية نذكر الذُهان التالي للوَضْع (ذهان ما بعد الولادة) والفصام
الذُهان التالي للوَضْع (ذهان ما بعد الولادة)
يصيب الذهان التالي للوضع الأم حين تنفصل الأم عن الواقع انفصالًا مصحوبًا بأوهام، وقد لا تكون هذه الأوهام بالضرورة عنيفة أو مدمرة، فلا تؤذي المرأة نفسها أو الآخرين، إلّا أنّها تبقى دائمًا عرضةً للخطر. فغالبًا ما يكون التفكير التوهمي غير منطقي، لذلك يُستحسن تقييم المرض ومعالجته سريعًا. تشعر الأم المريضة أنّ ما يصيبها من ذُهان حقيقي جدًا ومنطقي لا سيما إذا كان ذا طبيعةٍ دينية.
تشمل الأعراض الأوهام والهلوسات وفرط الحركة وعدم الحاجة إلى النوم أو القدرة على ذلك والارتياب وتقلبات المزاج السريعة وصعوبة التواصل مع الآخر.
يُعدّ هذا الاضطراب حالةً طارئة، وبالتالي لا بدّ أن يتصل المريض بالطبيب أو بوحدة الطوارئ لتلقي المساعدة اللازمة. أظهرت الأبحاث أنّ معدلات انتشار الذهان التالي للوضع تتراوح بين 0.89 و2.6 لكلّ 1000 ولادة، أي حالة أو حالتين لكل ألف ولادة.
الاضطراب الذهاني المُستحَثّ بالمواد
ينشأ هذا النوع من الاضطراب عن تناول عقارير أو مواد غير مشروعة قد تسبب اضطرابات ذهانية لدى الأشخاص المعرّضين. وعادةً ما يصاب الشخص الذي يتعاطى المواد المخدرة أو خلال فترة الانسحاب منها. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي تعاطي الحشيش من قبل شخصٍ معرّض للفصام أو لاضطرابات ذهانية إلى تعجيل ظهور الاضطراب، أو أن يزيد من فرص إصابة هذا الشخص بالاضطراب الذهاني أو الفصام. وتُعد المواد المُهلوِسة والبديل الأرخص للكوكايين (أو ما يعرف بالكراك كوكايين) من المواد عير المشروعة التي قد تسبب اضطرابًا. وقد يمر نحو 3 بالمئة من الناس بتجربة الذهان مرةً واحدة على الأقل في حياتهم بسبب تعاطي المواد.
الاضطراب الذهاني بسبب حالة طبية كامنة
يظهر هذا النوع من الاضطراب الذهاني لدى الشخص الذي يعاني من مشكلة طبية معيّنة تؤثر على وظيفة دماغه الطبيعية. قد تسبب هذه الحالات أوهامًا وهلوسات، فتُشخَّص خطًا على أنّها حالة نفسية نظرًا لأوجه الشبه المشتركة بين الحالتين. على سبيل المثال، قد تكون الأورام الدماغية أو إصابات الدماغ الرضية من الحالات التي يمكن أن تسبب أعراضًا تشبه أعراض الاضطرابات الذهانية.
الفصام
هو عبارة عن حالة نفسية شديدة وطويلة الأجل تسبب مجموعة متنوعة من الأعراض، وعلى غرار أنواع الاضطرابات الذهانية الأخرى، لا يتمكّن الشخص المصاب بالفصام من التمييز دائمًا بين أفكاره الخاصة والأفكار الواقعية. ومن الأعراض الأساسية التي تميّز الفصام نذكر الهلوسة والتوهّم (لا سيما أوهام العظمة)، وتراجع القدرة على التعبير عن المشاعر، والانعزال الاجتماعي.
قد يسبب هذا الاضطراب مشاكل خطيرة، إذ من الممكن أن يعجز المصاب به عن العمل ومتابعة دراسته، وقد يتشرد ويصبح عاطلًا عن العمل، وقد يصبح عرضةً للاستغلال ويميل كثيرًا إلى الانتحار.
ولا تزال أسباب هذا الاضطراب مجهولةً، وقد أشارت بعض الأبحاث إلى بعض العوامل الوراثية والعوامل البيئية كتعاطي الحشيش أثناء المراهقة، وعمر الوالدين، وسوء التغذية أثناء الحمل، أو صدمة معيّنة أثناء المراهقة. يصيب الفصام الإنسان سواء كان طفلًا أم مراهقًا أم بالغًا، هو منتشر بمعدل 1.5 من كلّ 10000 شخص.
لم تُحدد أسباب معيّنة للاضطرابات الذهانية، إلا أن ثمة عوامل خطر تساهم في تطوّر هذا النوع من الاضطرابات:
تترافق بعض الحالات مع اضطرابات ذهانية ومنها:
تتمثل الخطوة الأولى لتشخيص أي اضطراب نفسي في استبعاد أي أمراض جسدية محتملة. ويتطلب التشخيص إجراء فحص على يد شخص متخصص ومؤهل.
وحدهم مقدّمو خدمات الرعاية الصحية (كأخصائيي علم النفس أو الأطباء النفسيين أو أطباء الأطفال) يستطيعون تشخيص و/أو معالجة الحالات النفسية.
لا يوجد اختبار مباشر يمكن أن نعوّل عليه لتشخيص الاضطرابات الذهانية، لذلك يأخذ أخصائيو الصحة النفسية بعين الاعتبار الأعراض التي قد تؤثر على حياة الأشخاص في الكثير من النواحي، ومنها العمل والاهتمامات والعلاقات والعافية عمومًا.
لا بدّ من إجراء فحص جسدي، وكذلك جمع معلومات شاملة عن تاريخ المريض الطبي والنفسي. ومن شروط التشخيص وجود عارضَين أو أكثر من أعراض الاضطرابات الذهانية، كالهلوسة، والنطق أو السلوك غير المنظم، وتناقص القدرة على التعبير العاطفي أو التعبير السلبي عن العواطف، والأوهام. يجب ملاحظة هذه الأعراض لدى الشخص لمدّة شهرٍ على الأقل، على أن تكون قد أثّرت على حياته اليومية وتسببت له بمشاكل في محيطه الاجتماعي والمهني.
تعتمد أبرز أساليب علاج الاضطرابات الذهانية على استعمال مضادات الذهان وأدوية ضبط المزاج التي يصفها الطبيب النفسي، بالإضافة إلى العلاج النفسي والعلاج الاجتماعي. ولا يوجد علاج للاضطرابات الذهانية، ولكن يمكن التخفيف من فرص التعرض لنوبة ذهان في حال تمّت السيطرة عليها بشكلٍ جيد. ونظرًا لطبيعة الاضطراب، من الصعب إبقاء الشخص على المسار الصحيح ومن الممكن أن تراوده أفكار ارتيابية بشأن الدواء أو العلاج. لذا من الضروي أن يكون العلاج مخصصًا ليتناسب مع احتياجات كلّ فرد وأن يكون علاجًا دائمًا مدى الحياة.
الأدوية: ثمّة فئات مختلفة من الأدوية التي يمكن أن تكون فعّالة في علاج الاضطرابات الذهانية. وينبغي الامتناع عن تناول أي نوع من الأدوية بدون إشراف أحد مقدّمي خدمات الصحة النفسية المتمرّسين. وعند تناول الدواء، يجب الحرص على اتباع التوجيهات بدقة والالتزام بالجرعات المحدّدة. وتحقق أدوية الاضطرابات الذهانية أفضل النتائج حين تترافق مع العلاج الملائم والمصمَّم بحسب احتياجات الشخص المصاب، وتتنوّع الأدوية المستخدمة لعلاج هذه الاضطرابات، مثل:
العلاج النفسي: تختلف الأساليب المتبعة في العلاج النفسي التي يمكن أن تكون مفيدة للشخص الذي يعاني من الاضطرابات الذهانية. وتختلف النُهج الناجعة باختلاف الأشخاص، ما يجعل عملية إيجاد النَهج والمعالِج المناسبَين أمرًا صعبًا في البداية. وقد يؤدي ذلك ببعض الأشخاص إلى اللجوء إلى المعالِج أو التقنية غير المناسبة، وربما انتهى بهم الأمر إلى التوقف تمامًا عن متابعة العلاج. ولكن علينا ألا ننسى أن العلاج ليس عبارة عن «وصفة موحَّدة للجميع»، وأنّ بعض الحالات قد تحتاج إلى تجربة نُهج مختلفة أحيانًا لتحديد الأنسب لها بمساعدة أخصائي متمرّس في الصحة النفسية. وتشمل أنواع العلاج ما يلي:
لا بدّ أيضًا من الإشارة إلى ضرورة إجراء هذه العلاجات ضمن المحيط العائلي وضمن مجموعات وعلى الصعيد الفردي.
العلاج بالصدمة الكهربائية (أو ما يعرف بـ ECT): يتمّ اللجوء إلى هذا النوع من العلاج في حالات الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب المقاوم للعلاج، أي حين يكون الشخص قد جرّب طُرقًا علاجية مختلفة لمدّة معيّنة ولم يستجب لأيّ منها.
يُستخدم في هذا العلاج جهاز يثبت فوق رأس المريض ويجري بواسطته تمرير تيارات كهربائية عبر دماغه لفترة قصيرة تحت تأثير التخدير الكلي. قد يبدو ذلك مخيفًا لا بل مرعبًا لمن يشاهد العملية، غير أنّ هذا الإجراء غير مؤلم وإن كان مزعجًا. يخضع المريض للصدمات الكهربائية مرات عدّة في الأسبوع على مدى بضعة أسابيع.
النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي: تشير الأبحاث إلى أن الالتزام بنظام غذائي صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم، والمواظبة على ممارسة الرياضة، كلها عوامل تلعب دورًا كبيرًا في التخفيف من الأعراض وتحسين جودة الحياة عمومًا
مجموعات الدعم: هي مجموعة أشخاص يعانون من حالات نفسية مشتركة ويمكنهم تبادل المواساة والنصح بحكم مرورهم بتجارب متشابهة. يمكن أن تنعقد هذه المجموعات بقيادة أخصائي في الصحة النفسية أو بدونه. وقد أظهرت الأبحاث أن هذه المجموعات يمكن أن تمنح أعضاءها هدفًا مشتركًا، ما ينتج عنه العديد من الفوائد للمصابين بالاضطرابات، مثل:
تقنيات مساعدة الذات: تتوفر الكثير من تقنيات مساعدة الذات، ويمكن لأي شخص تجربتها، حيث قد تساعده في التعامل مع الأعراض التي يعاني منها. ومن الأمثلة على ذلك: التطوع، والحديث الإيجابي مع الذات، وتمارين التنفس، والتأمل.
الدعم الاجتماعي والمتخصص: قد يحتاج الأشخاص الذين يعانون اضطرابات ذهانية إلى المساعدة ضمن دائرتهم وبيئتهم الاجتماعية. فمثلًا، قد يحتاج شخص ما إلى العمل، أو تأمين عمل، أو التدرّب على إجراء مقابلات عمل، وغير ذلك.
الدعم الذي تقدمه الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين للمرضى والأسر الذي يعانون الفصام - https://www.psychiatry.org/patients-families/schizophrenia
الشفاء بعد نوبة فصام أولية (RAISE) عن المعهد الوطني للصحة النفسية - https://www.nimh.nih.gov/health/topics/schizophrenia/raise/raise-resources-for-patients-and-families- مورد مجاني للمرضى والأسر حول نشر الوعي، والتقييم، وخطوط المساعدة والموارد عبر الإنترنت
المساعدة الذاتية:
https://www.nhs.uk/mental-health/self-help/
Rethink Mental illness (إعادة النظر في الصحة النفسية) - https://www.rethink.org/ - مركز مقرّه في بريطانيا يهدف إلى تحسين حياة الأفراد الذين يعانون أمراضًا نفسية شديدة ويقدّم هذا المركز موارد ونُهُجًا متنوعة لمساعدة الناس للحصول على نوعية حياة جيّدة
Hearing Voices - https://www.hearing-voices.org/ - شبكة إلكترونية مجانية تقدّم الدعم للأشخاص الذين يعانون من الهلوسة. تسعى هذه الشبكة إلى نشر الثقافة والوعي حول مختلف أنواع الاضطرابات وإلى المساعدة في تأمين أفضل الطرق للسيطرة عليها. كما تساعد الأفراد على إنشاء مجموعات الدعم.
MIND - https://www.mind.org.uk/information-support/types-of-mental-health-problems/self-harm/about-self-harm/#.Xfe6_jP7TD4 - مورد يعالج إلحاق الأذى بالذات المصاحب للمشاكل الصحية