خبراء ومراكز مختصة (105)
ملخّص
الاضطراب ثنائي القطب هو حالة مرضية ترافق المصاب بها طيلة حياته، وتنقسم إلى عدّة أنواع. يؤثر هذا الاضطراب عمومًا على مزاج الشخص، فيتغيّر من النقيض (انفعال واستثارة عاطفية وهوس) إلى النقيض (تبلد المشاعر والعواطف والاكتئاب)، ويمكن أن تحدث هذه التغيّرات مرات عدّة في السنة، أو قد تدوم كلّ نوبة منها لبضع سنوات.
الهوس أو الهوس الخفيف هي فترة يشعر فيها الشخص باستثارة كبيرة، ومبالغة في تقدير الذات، وانخفاض الحاجة للنوم، ويصبح الشخص مفعمًا بالطاقة، وتزداد اندفاعيته وسرعة انفعاله بشكل غير طبيعي. ويمكن لهذه النوبات أن تضم أعراضًا شديدة، مثل: الأوهام والنوبات الذُهانية، والشروع بتعاطي المواد المخدّرة.
تظهر على الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو أيّ من أنواعه الفرعية الكثيرة مجموعة كبيرة من الأعراض، حيث يشعر معظمهم بتوتر دائم ويعانون من اضطرابات في النوم، وسرعة الانفعال، والقلق، والحزن، وصعوبة في أداء المهام اليومية، وفقدان الاهتمام (ولا سيّما بالمهام التي كانوا من قبل يستمتعون بها). وتقترن الحالات الأكثر حدّة بتواتر الأفكار المتعلقة بالموت والانتحار ومحاولات الانتحار، وتترتب على ذلك صعوبات ملحوظة في أداء الأنشطة اليومية، كالأنشطة المرتبطة بالعمل والمدرسة والحياة الاجتماعية.
ونظرًا لطبيعة هذا الاضطراب، فإنّه يجعل من الصعب على الأشخاص المصابين به الاحتفاظ بوظائفهم أو تكوين علاقات صحية ومُرْضية، وهذا بدوره يعني زيادة احتمالية الانتحار. فقد أشارت بعض الدراسات إلى أنّ نسبة تتراوح بين 25% و 60% من الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب سيحاولون الانتحار مرة واحدة على الأقل في حياتهم، وأنّ 4% إلى 9% منهم ينتحرون بالفعل. ولذلك من الأهمية بمكان ملاحظة علامات الإنذار التي قد تظهر على الشخص وتشير إلى خطر إيذائه لنفسه أو محاولته الانتحار.
يمكن لنوبات الهوس أن تستمر لمدّة تتراوح بين 3 و6 أشهر إن لم تُعالج. أمّا نوبات الاكتئاب فقد تستمر لمدّة تتراوح بين 6 أشهر و12 شهرًا إن لم تُعالج. ولكن من شأن تقديم العلاجات والأدوية المناسبة ومعرفة علامات الإنذار المبكرة لنوبات الهوس والاكتئاب القادمة أن يساعد كثيرًا في التخفيف من حدّة الأعراض، وهذا يعني كذلك أنّ الأعراض الشديدة للاكتئاب والهوس ستخفّ بدورها.
أنواع
في ما يلي الأنواع الرئيسية للاضطراب ثنائي القطب:
النوع الأول: نوبة هوس واحدة على الأقل، تتبعها نوبة هوس خفيفة أو اكتئاب جسيم
النوع الثاني: نوبة اكتئابية جسيمة واحدة على الأقل، ونوبة هوس خفيفة واحدة فقط
اضطراب المزاج الدوري: نوبات هوس خفيفة لمدّة عامين، إضافة إلى أعراض اكتئاب (أقل حدّة من الاكتئاب الجسيم)
أخرى: عندما يرتبط الاضطراب باضطرابات أخرى، قد تنتج عن الأدوية أو المواد المخدرة أو الكحول أو أي حالات مرضية أخرى
الأسباب
لم تعرَف تمامًا الأسباب المحدّدة للإصابة بالاضطراب ثنائي القطب، ففي حين أنّ معظمنا يمر بتقلّبات مزاجية وأحاسيس البهجة والانشراح، إلّا أنّها لا تؤثر في أنشطتنا اليومية. ويُعرف هذا الاضطراب بإمكانية حدوثه خلال سنوات المراهقة، ونظرًا لطبيعته، فإنّ العديد من الأشخاص قد يعانون منه لبعض الوقت قبل طلب المساعدة.
ثمّة عوامل خطر يحتمل ارتباطها بالاضطراب ثنائي القطب، مثل:
- الاستعداد الوراثي وتاريخ عائلي من الاضطرابات النفسية ذات الصلة (مثل: الاكتئاب والقلق والفصام)
- الصدمات الشديدة نتيجة لحادث مأساوي
- تعاطي المواد المخدرة أو الكحول
- اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ
ثمّة اضطرابات صحية ونفسية أخرى مصاحبة لهذا الاضطراب، منها:
- اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة
- اضطرابات القلق
- تعاطي المواد
- البدانة: تتسبب الأدوية الموصى بها لعلاج الاضطراب ثنائي القطب في زيادة الوزن، وتزداد مخاطر الإصابة بالبدانة بسبب طبيعة الاكتئاب وغياب الحوافز للمشاركة في الأنشطة.
زيادة خطر الإصابة بأمراض الأوعية والقلب بسبب متلازمة الأيض، حيث تحدث تعقيدات صحية بسبب التغيّرات في مستويات الكوليسترول، وارتفاع ضغط الدم، ومقاومة الأنسولين، والبدانة.
الأعراض
الاكتئاب: تشمل مرحلة الاكتئاب أعراضًا منها: فقدان الحافز، والشعور الدائم بالحزن والعجز، وأفكار متعلقة بالموت أو الانتحار، وفقدان الشهية أو الأكل الزائد، واضطرابات النوم.
الهوس: تشمل مرحلة الهوس أعراضًا منها: الشعور بالنشاط وفرط الطاقة والإبداع. كما يعظّم الشخص من أهميته وتقديره لذاته، إضافة إلى أعراض تتمثل في الأوهام أو النوبات الذُهانية.
النوبات الذُهانية: وهي نوبات قد لا يتمكن فيها الشخص من التفريق بين الواقع والخيال الذي يدور في ذهنه، ويشمل هذا الهلوسات والأوهام.
التوقف عن العناية بأنفسهم في أمور النظافة الشخصية والعناية بالذات
تبادر أفكار غير طبيعية وغير عقلانية إلى أذهانهم، أو الاعتقاد بوجود قوة خارجية تتحكم بالمشاعر والأفعال
سلوكيات مجازِفة مثل: تعاطي المواد المخدرة، واتخاذ قرارات تنطوي على مخاطر كبيرة
الانتقال السريع بين مرحلة الأحاسيس والمشاعر المفرطة ومرحلة المشاعر المتبلدة، دون المرور بمرحلة «عادية» بينهما
حالات مختلطة عندما يعاني الشخص من أعراض كلّ من الاكتئاب والهوس في آن واحد
التشخيص
تتمثل الخطوة الأولى لتشخيص أي اضطراب نفسي في استبعاد أي أمراض جسدية محتملة. ويتطلب التشخيص إجراء فحص على يد شخص متخصص ومؤهل.
وحدهم مقدّمو خدمات الرعاية الصحية (كأخصائيي علم النفس أو الأطباء النفسيين أو أطباء الأطفال) يستطيعون تشخيص و/أو معالجة الحالات النفسية.
لا يوجد اختبار مباشر للكشف عن الاكتئاب؛ وعليه، يبحث أخصائيو الصحة النفسية المتمرسون عن أعراض الاكتئاب التي تظهر على مدار اليوم تقريبًا وتستمرّ لأكثر من أسبوعين. وهذه الأعراض لا تتحسّن مع الوقت، بل تنزع إلى التأثير على حياة الأشخاص في الكثير من النواحي، ومنها العمل والاهتمامات والعلاقات والعافية عمومًا.
ولتشخيص الاضطراب ثنائي القطب، لا بد أن يكون الشخص قد مر بنوبة هوس شديدة أو خفيفة واحدة على الأقل.
ويشمل تشخيص هؤلاء الأشخاص إجراء تقييم نفسي بموافقة منهم، وقد يُطلب من عائلاتهم وأصدقائهم المقربين تقديم معلومات حول الأعراض.
العلاج
نظرًا إلى طبيعة الاضطراب ثنائي القطب، تشمل أساليب العلاج عادةً الأدوية والعلاجات غير الدوائية للتعامل مع الأعراض التي تصاحب هذا الاضطراب.
وينبغي تلقي العلاج على يد أخصائي صحة نفسية يتمتع بخبرة في علاج هذا الاضطراب، وتناول أدوية مثبتة للمزاج تساعد الشخص في التحكم بشكل أفضل بتغيّرات مزاجه. فالتغيّرات المتكررة في المزاج قد تؤثر بشدة في حياة الشخص وتجعلها غير مستقرة، وتعرضه لخطر الأفكار والسلوكيات الانتحارية.
الأدوية:
تنتمي الأدوية المستخدَمة في علاج الاضطراب ثنائي القطب إلى فئات مختلفة، وينبغي الامتناع عن تناول أي نوع من الأدوية بدون إشراف أحد مقدّمي خدمات الصحة النفسية المتمرّسين. وعند تناول الدواء، يجب الحرص على اتباع التوجيهات بدقة والالتزام بالجرعات المحدّدة. وتحقق أدوية اضطراب ثنائي القطب أفضل النتائج حين تترافق مع العلاج الملائم والمصمَّم بحسب احتياجات الشخص المصاب، وتتنوّع الأدوية الفعالة في علاج هذا الاضطراب، مثل:
مضادات الاكتئاب: تشمل أي نوع من الأدوية التي تساعد في التخفيف من أعراض الاكتئاب والقلق وغيرها من الحالات. وتهدف إلى تصحيح أي اختلالات كيميائية على مستوى الدماغ تُعدّ مسؤولة عن ضبط المزاج . وتختلف طريقة عمل الأدوية من فئة إلى أخرى، وتتفاوت فعاليتها بحسب الشخص وعمره وكيفية تفاعله مع الدواء والأدوية المتاحة له. وكما هو الحال بالنسبة إلى الأدوية على اختلاف أنواعها، لا يوجد دواء مضاد للاكتئاب من دون أعراض جانبية، ما يستدعي مناقشة هذه الأعراض مع مقدم خدمات الصحة النفسية بغية التخفيف منها. وتجدر الإشارة إلى أنّ تناول مضادات الاكتئاب يترافق مع خطر تعاطيها والإدمان عليها في حال أسيء استخدامها.
مضادات الذهان: هي فئة من الأدوية النفسية المستعملة أساسًا للمساعدة على التخفيف من أعراض الذهان ولتحسين نوعية الحياة. وغالبًا ما تُستعمل هذه الأدوية إلى جانب أدوية أخرى بحسب الحالة، حيث تعمل من خلال المساعدة على إعادة توازن العناصر الكيميائية الطبيعية في الدماغ. كما تخفف مضادات الذهان في العادة من مشاعر الاكتئاب في غضون ساعات قليلة، إلّا أنّها تستغرق أسابيع عديدة لتخفف من أعراض أخرى كالأوهام والهلوسات.
أدوية تثبيت المزاج: هي مجموعة من الأدوية التي تُستعمل عادةً لعلاج الاضطراب ثنائي القطب وغيره من الاضطرابات النفسية التي قد تكون مصحوبة بتقلبات المزاج. ويستند الطبيب المؤهل إلى نوع الاضطراب ثنائي القطب الذي يعاني منه المريض ليصف مجموعة من الأدوية للتعامل مع الأعراض، وهي تخفف أعراض الهوس، وتثبت المزاج، وتحول دون الانتكاس.
العلاج النفسي: تختلف النُهج المتَّبعة في العلاج النفسي التي يمكن أن تكون مفيدة للشخص الذي يعاني من الاضطراب ثنائي القطب. وتختلف النُهج الناجعة باختلاف الأشخاص، ما يجعل عملية إيجاد النَهج والمعالِج المناسبَين أمرًا صعبًا في البداية. وقد يؤدي ذلك ببعض الأشخاص إلى اللجوء إلى المعالِج أو التقنية غير المناسبة، وربما انتهى بهم الأمر إلى التوقف تمامًا عن متابعة العلاج. ولكن علينا ألا ننسى أن العلاج ليس عبارة عن «وصفة موحَّدة للجميع»، وأنّ بعض الحالات قد تحتاج إلى تجربة نُهج مختلفة أحيانًا لتحديد الأنسب لها بمساعدة أخصائي متمرّس في الصحة النفسية. وتشمل أنواع العلاج ما يلي:
العلاج السلوكي: يتمثّل الهدف في التخلّص من السلوكيات غير المرغوبة وتعزيز السلوكيات الإيجابية ويتم ذلك عادةً في بيئات مألوفة بالنسبة إلى الشخص، مثل المنزل، والمدرسة، ومكان العمل، وغيرها من الأماكن.
العلاج السلوكي المعرفي (المعروف اختصارًا بـ CBT) يهدف هذا النوع من العلاج إلى التخلص من أنماط التفكير السلبية وغير المنطقية الناجمة عن الأعراض الأخرى التي تنشأ نتيجة التعايش مع هذا الاضطراب. وقد يدخل بعض الأشخاص في حوارات داخلية غير صحية، وهنا يأتي دور العلاج السلوكي المعرفي ليساعدهم في التخلص من أنماط التفكير هذه.
العلاج بالصدمة الكهربائية (أو ما يعرف بـ ECT): يتمّ اللجوء إلى هذا النوع من العلاج في حالات الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب المقاوم للعلاج، أي حين يكون الشخص قد جرّب طُرقًا علاجية مختلفة لمدّة معيّنة ولم يستجب لأيّ منها.
يُستخدم في هذا العلاج جهاز يثبت فوق رأس المريض ويجري بواسطته تمرير تيارات كهربائية عبر دماغه لفترة قصيرة تحت تأثير التخدير الكلي. قد يبدو ذلك مخيفًا لا بل مرعبًا لمن يشاهد العملية، غير أنّ هذا الإجراء غير مؤلم وإن كان مزعجًا. يخضع المريض للصدمات الكهربائية مرات عدّة في الأسبوع على مدى بضعة أسابيع.
النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي: تشير الأبحاث إلى أن الالتزام بنظام غذائي صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم، والمواظبة على ممارسة الرياضة، كلها عوامل تلعب دورًا كبيرًا في التخفيف من الأعراض وتحسين جودة الحياة عمومًا
مجموعات الدعم: هي مجموعة أشخاص يعانون من حالات نفسية مشتركة ويمكنهم تبادل المواساة والنصح بحكم مرورهم بتجارب متشابهة. يمكن أن تنعقد هذه المجموعات بقيادة أخصائي في الصحة النفسية أو بدونه. وقد أظهرت الأبحاث أن هذه المجموعات يمكن أن تمنح أعضاءها هدفًا مشتركًا، ما ينتج عنه العديد من الفوائد للمصابين بالاضطرابات، مثل:
الخروج من الشعور بالوحدة الناتج عن حالة نفسية معيّنة
القدرة على التحدث علنًا وبصدق
السيطرة على المشاعر
مساعدة الآخرين في تجاربهم، وبالتالي مساعدة النفس أيضًا.
تقنيات مساعدة الذات: تتوفر الكثير من تقنيات مساعدة الذات، ويمكن لأي شخص تجربتها، حيث قد تساعده في التعامل مع الأعراض التي يعاني منها. من الأمثلة على ذلك: التطوع، والحديث الإيجابي مع الذات، وتمارين التنفس، والتأمل.
إذا كنت- أنت أو أحد المقربين منك- تعاني من أفكار مماثلة أو تنتابك أفكار الأذى الذاتي، عليكم حجز موعد مع أخصائي الصحة النفسية.
الموارد
الموقع الإلكتروني للمعهد القومي للصحة النفسية وموارده حول منع الانتحار والتوعية بشأنه، وهي متاحة مجانًا ويمكن مشاركتها https://www.nimh.nih.gov/get-involved/education-awareness/shareable-resources-on-suicide-prevention
تطبيقات ذات صلة بالاكتئاب:
https://www.suicidepreventionapp.com/
https://www.samaritans.org/how-we-can-help/contact-samaritan/self-help/
المساعدة الذاتية:
https://www.nhs.uk/mental-health/self-help/
منظمة The Depression Project - https://thedepressionproject.com/ - منظمة دولية تُعنى بتقديم الدعم للمصابين بالاكتئاب
مذكرة لتدوين اليوميات وتوثيق الحالة المزاجية تساعد الشخص على مراقبة مزاجه وتقلباته - https://www.bipolaruk.org/FAQs/mood-diary
موارد حول اضطراب ثنائي القطب يمكن مشاركتها، متوفرة على موقع المعهد الوطني للصحة النفسية - https://www.nimh.nih.gov/get-involved/education-awareness/shareable-resources-on-bipolar-disorder
موارد حول اضطراب ثنائي القطب يمكن مشاركتها متوفرة على موقع WebMD - https://www.webmd.com/bipolar-disorder/guide/bipolar-disorder-resources-1
موارد للإدارة الذاتية لاضطراب ثنائي القطب متوفرة على موقع Reachout Australia - https://au.reachout.com/articles/self-management-for-bipolar-disorder
تحالف دعم المصابين باضطراب الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب - https://www.dbsalliance.org/
المراجع
- American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM–5). American Psychiatric Association, 2013.
- National Health Services - United Kingdom. Bipolar Disorder. 2018. https://www.nhs.uk/mental-health/conditions/bipolar-disorder/overview/
- National Institute of Mental Health. “Bipolar Disorder” Mental Health Information, 2018. https://www.nimh.nih.gov/health/topics/bipolar-disorder
- World Health Organization - WHO. Mental Disorders. WHO, 2021. World Health Organization - Depression, https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/mental-disorders. Retrieved 14 09 2021.