ملخّص

 

تظهر على الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو أيّ من أنواعه الفرعية الكثيرة مجموعة كبيرة من الأعراض، حيث يشعر معظم هؤلاء الأشخاص بتوتر دائم ويعانون من اضطرابات في النوم، وسرعة الانفعال، والقلق، والحزن، وصعوبة في أداء المهام اليومية، وفقدان الاهتمام (ولا سيّما بالمهام التي كانوا من قبل يستمتعون بها). وتقترن الحالات الأكثر حدّة بتواتر الأفكار المتعلقة بالموت والانتحار ومحاولات الانتحار، وتترتب على ذلك صعوبات ملحوظة في أداء الأنشطة اليومية، كالأنشطة المرتبطة بالعمل والمدرسة والحياة الاجتماعية.

تشير الدراسات إلى أنّ معدلات الإصابة بالاكتئاب في منطقتَي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتراوح بين %13 و18% من السكان، حيث تتضاعف النسبة بين النساء مقارنةً بالرجال.

قد يصاب المرء بالاكتئاب مرة واحدة في حياته، أو قد يمرّ بأكثر من نوبة اكتئاب. تمتد نوبة الاكتئاب بحسب الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (DSM-V) لأسبوعَين على الأقل، علمًا أنّها قد تدوم أكثر من ذلك بكثير. وهذا يعني أنّ الاكتئاب ليس مجرد حالة اعتيادية من المزاج السيء أو الحزين. فالحزن رد فعل طبيعي تمامًا ومؤقّت على الأحداث التي نواجهها في حياتنا، وهو بذلك مختلف عن الاكتئاب الذي تدوم أعراضه لفترة طويلة.

أنواع الاكتئاب


من أنواع الاكتئاب الشائعة:

الاضطراب الاكتئابي المستمر (عسر المزاج): يتّسم هذا الشكل من الاكتئاب باستمراريته وطول مدّته مع تفاوت في حدّته، لكنه يصنَّف إجمالًا على أنّه متوسط الحدّة.

الاضطراب الوجداني الفصلي: هو الاكتئاب المرتبط بتغيّر الفصول، وعادةً ما يظهر مع بداية فصل الشتاء ويستمر خلاله.

الاكتئاب الجسيم: يقترن هذا النوع من الاكتئاب بأعراض مستمرة ترافق الشخص في أغلب الأيام على مدى أسبوعين على الأقلّ.

اكتئاب ما بعد الولادة: اكتئاب يبدأ خلال فترة الحمل و/أو بعد الإنجاب.

الأسباب


يترافق عدد كبير من الاضطرابات مع عوامل خطر بيولوجية تزيد من احتمال إصابة الشخص باضطراب نفسي. ويُحتمل أن يتعاظم هذا الخطر أو يضعف تبعًا لما يمرّ به الشخص من تجارب ولردود فعله على المواقف التي يواجهها. تتنوّع التجارب التي قد تزيد من احتمال الإصابة بالاكتئاب، وقد يحدث لأسباب كثيرة ومختلفة وتتفاوت أعراضه بين شخص وآخر.

ومن الأسباب التي تزيد من احتمال الإصابة بالاكتئاب: 

  • أحداث هامة في الحياة سواء كانت إيجابية أو سلبية، كالتخرّج أو الإنجاب أو الطلاق أو فقدان العمل أو غير ذلك، وقد تتسبب في ظهور أعراض الاكتئاب. 
  • خلاف مع أحد أفراد الأسرة المقرّبين أو الأصدقاء أو زملاء العمل.
  • سوء المعاملة الذي يأتي بأشكال عدّة؛ ومن شأن التعرّض للاعتداء الجسدي أو الجنسي أو العاطفي أن يجعل المرء أكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب سواء في حينه أو في مرحلة لاحقة من حياته.
  • قد يؤدي تناول أدوية معيّنة إلى الاكتئاب من بين جملة من الأعراض الجانبية، أو يزيد من احتمال الإصابة به.
  • تاريخ أسري ينطوي على حالات اكتئاب أو غيره من الاضطرابات النفسية؛ ويشمل ذلك أيضًا تاريخًا أسريًّا من الاضطرابات أو الأمراض الجسدية الأخرى التي قد تجعل الشخص أكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب، وينطبق ذلك على وجه الخصوص على المصابين بأمراض خطيرة أو مزمنة.
  • يمكن أن يفضي تعاطي المواد أو المخدرات أو الكحول أو غير ذلك من السلوكيات الإدمانية إلى الاكتئاب في الكثير من الحالات، بصرف النظر عن المادة أو السلوك الإدماني. 

الأعراض


المزاج السّيء لفترة طويلة: يتمثل أحد الأعراض الرئيسية للاكتئاب في سيطرة مزاج سيّء لمدّة لا تقل عن أسبوعين، كما يمكن أن تستمر هذه الحالة لسنوات، بحسب نوع الاكتئاب، مع تفاوت حدّتها وخصوصًا إن لم تعالَج.

فقدان القدرة على الاستمتاع بالأنشطة المفضّلة: يميل الشخص المكتئب إلى فقدان الرغبة والحافز لأداء الأنشطة التي لطالما كان يجدها ممتعة وجاذبة، ويمكن أن يؤدي فقدان الحافز إلى عدم الرغبة في القيام بأي شيء على الإطلاق. ويمثّل ذلك أحد الأعراض والعلامات الشائعة على الاكتئاب وينعكس على الأوضاع الاجتماعية كالعلاقات الزوجية والصداقات، إذ ينتهي الأمر بالشخص إلى الابتعاد عن الآخرين.

التغيّرات في الشهية والوزن: عادةً ما يفقد الشخص الذي يعاني من الاكتئاب الشهية أو يُفرط في تناول الطعام، ما يفضي إلى زيادة أو نقصان الوزن ويعرّض الشخص لخطر الإصابة بالبدانة أو فقدان الوزن الحاد، مع ما يستتبع ذلك من مشاكل صحية.

الشعور باليأس: يُعدّ الإحساس باليأس أو العجز من الأعراض الشائعة، ويتسبب في شعور المكتئب بأنّه محاصَر وغارق في الاكتئاب لدرجة تجعله يظن أنّ الخروج من هذه الحالة أو علاجها ضربٌ من المستحيل.

الشعور بالذنب/انعدام القيمة: قد يشعر الشخص بأنّ لا قيمة أو أهمية له أو يعتقد أنّه غير قادر على تقديم أي شيء مفيد للمجتمع. ونتيجة اقتناع الشخص بأنّه سيء بطبيعته، نجده يمتنع عن بذل أي جهد في حياته المهنية أو الأكاديمية و/أو في علاقاته الاجتماعية و/أو يحجم عن القيام بأي محاولة للتقدّم في عمله.

التفكير بالموت/الانتحار: تراود الشخص بشكل متكرر أفكار متعلقة بالموت أو الانتحار أو محاولة الانتحار أو تصوّر خطة محدّدة للانتحار.

التشخيص


تتمثّل الخطوة الأولى لتشخيص أيّ اضطراب نفسي في استبعاد أيّ أمراض جسدية محتملة. ويتطلب التشخيص إجراء فحص على يد شخص متخصص ومؤهل. 

وحدهم مقدّمو خدمات الرعاية الصحية (كأخصائيي علم النفس أو الأطباء النفسيين أو أطباء الأطفال) يستطيعون تشخيص و/أو معالجة الحالات النفسية.

لا يوجد اختبار مباشر للكشف عن الاكتئاب؛ وعليه، يبحث أخصائيو الصحة النفسية المتمرسون عن أعراض الاكتئاب التي تظهر على مدار اليوم تقريبًا وتستمرّ لأكثر من أسبوعين. وهذه الأعراض لا تتحسّن مع الوقت، بل تنزع إلى التأثير على حياة الأشخاص في الكثير من النواحي، ومنها العمل والاهتمامات والعلاقات والعافية عمومًا. وتندرج الأفكار الانتحارية أو إيذاء الذات أيضًا ضمن أعراض الاكتئاب.

لذا يتعيّن على مقدّم الرعاية الصحية إجراء تقييم شامل لحياة الشخص من أجل التوصّل إلى تشخيص حالته. ومن واجبه كذلك أن يقوم بتشخيص أيّ حالات نفسية أخرى يُحتمل أن يعاني منها. 

العلاج


العلاج النفسي: هناك العديد من النُهج المختلفة المتَّبعة في العلاج النفسي التي يمكنها مساعدة الشخص الذي يعاني من الاكتئاب. وتختلف النُهج الناجعة باختلاف الأشخاص، ما يجعل عملية إيجاد النَهج والمعالِج المناسبَين أمرًا صعبًا في البداية. وقد يؤدي ذلك ببعض الأشخاص إلى اللجوء إلى المعالِج أو التقنية غير المناسبة، وربما انتهى بهم الأمر إلى التوقف تمامًا عن متابعة العلاج. ولكن علينا ألّا ننسى أنّ العلاج ليس عبارة عن «وصفة موحَّدة للجميع»، وأنّ بعض الحالات قد تحتاج إلى تجربة نُهج مختلفة أحيانًا لتحديد الأنسب لها بمساعدة أخصائي متمرّس في الصحة النفسية. تشمل أنواع العلاج ما يلي: 

العلاج السلوكي: يتمثّل الهدف في التخلّص من السلوكيات غير المرغوبة وتعزيز السلوكيات الإيجابية ويتم ذلك عادةً في بيئات مألوفة بالنسبة إلى الشخص، مثل المنزل، والمدرسة، ومكان العمل، وغيرها من الأماكن.

العلاج السلوكي المعرفي (المعروف اختصارًا بـ CBT) يهدف هذا النوع من العلاج إلى التخلص من أنماط التفكير السلبية وغير المنطقية الناجمة عن الأعراض الأخرى التي تنشأ نتيجة التعايش مع هذا الاضطراب. وقد يدخل بعض الأشخاص في حوارات داخلية غير صحية، وهنا يأتي دور العلاج السلوكي المعرفي ليساعدهم في التخلص من أنماط التفكير هذه. 

الأدوية: تنتمي الأدوية المستخدَمة في علاج الاكتئاب إلى فئات مختلفة. ينبغي الامتناع عن تناول أي نوع من الأدوية بدون إشراف أحد مقدّمي خدمات الصحة النفسية المتمرّسين. وعند تناول الدواء، يجب الحرص على اتباع التوجيهات بدقة والالتزام بالجرعات المحدّدة. وتحقق الأدوية الخاصة بالاكتئاب أفضل النتائج حين تترافق مع العلاج الملائم والمصمَّم بحسب احتياجات الشخص المستهدف. وتتنوّع الأدوية الفعّالة في علاج الاكتئاب ومنها: 

مضادات الاكتئاب: تشمل أي نوع من الأدوية التي تساعد في التخفيف من أعراض الاكتئاب والقلق وغيرها من الحالات. وتهدف إلى تصحيح أي اختلالات كيميائية على مستوى الدماغ تُعدّ مسؤولة عن ضبط المزاج . وتختلف طريقة عمل الأدوية من فئة إلى أخرى، وتتفاوت فعاليتها بحسب الشخص وعمره وكيفية تفاعله مع الدواء، وبحسب الأدوية المتاحة له. وكما هو الحال بالنسبة إلى الأدوية على اختلاف أنواعها، لا يوجد دواء مضاد للاكتئاب من دون أعراض جانبية، ما يستدعي مناقشة هذه الأعراض مع مقدم خدمات الصحة النفسية بغية التخفيف منها. وتجدر الإشارة إلى أنّ تناول مضادات الاكتئاب يترافق مع خطر تعاطيها والإدمان عليها في حال أسيء استخدامها. 

العلاج بالصدمة الكهربائية (أو ما يعرف بـ ECT): يتمّ اللجوء إلى هذا النوع من العلاج في حالات الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب المقاوم للعلاج، أي حين يكون الشخص قد جرّب طُرقًا علاجية مختلفة لمدّة معيّنة ولم يستجب لأيّ منها. 

يُستخدم في هذا العلاج جهاز يثبت فوق رأس المريض ويجري بواسطته تمرير تيارات كهربائية عبر دماغه لفترة قصيرة تحت تأثير التخدير الكلي. قد يبدو ذلك مخيفًا لا بل مرعبًا لمن يشاهد العملية، غير أنّ هذا الإجراء غير مؤلم وإن كان مزعجًا. يخضع المريض للصدمات الكهربائية مرات عدّة في الأسبوع على مدى بضعة أسابيع. 

لا يُستخدم هذا العلاج مع الأشخاص الذين يعانون من أمراض جسدية أخرى قد تعرّضهم للخطر عند الخضوع له. 

العلاج بالضوء: من شأن استخدام صندوق العلاج بالضوء الذي يحاكي وظيفة الضوء الطبيعي أن يساعد بعض الأشخاص، حيث أظهرت الدراسات أنّ هذا النوع من الضوء يُحدث تغييرات في الدماغ يمكن أن تحسّن مزاج الشخص وتُشعره بالسعادة. ويُستخدم هذا الصندوق لمدّة 20 إلى 60 دقيقة في اليوم بعد الاستيقاظ على الفور. 

النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي: تشير الأبحاث إلى أنّ الالتزام بنظام غذائي صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم، والمواظبة على ممارسة الرياضة، كلها عوامل تلعب دورًا كبيرًا في التخفيف من الأعراض وتحسين جودة الحياة عمومًا.

مجموعات الدعم: هي مجموعة أشخاص يعانون من حالات نفسية مشتركة ويمكنهم تبادل المواساة والنصح بحكم مرورهم بتجارب متشابهة. يمكن أن تنعقد هذه المجموعات بقيادة أخصائي في الصحة النفسية أو بدونه. وقد أظهرت الأبحاث أنّ هذه المجموعات يمكن أن تمنح أعضاءها هدفًا مشتركًا، ما ينتج عنه العديد من الفوائد للمصابين بالاضطرابات، مثل:

الخروج من الشعور بالوحدة الناتج عن حالة نفسية معيّنة

القدرة على التحدث علنًا وبصدق

السيطرة على المشاعر

مساعدة الآخرين في تجاربهم، وبالتالي مساعدة النفس أيضًا.

تقنيات مساعدة الذات: تتوفر الكثير من تقنيات مساعدة الذات، ويمكن لأي شخص تجربتها، حيث قد تساعده في التعامل مع الأعراض التي يعاني منها. من الأمثلة على ذلك: التطوع، والحديث الإيجابي مع الذات، وتمارين التنفس، والتأمل.

إن كنت تشعر بالاكتئاب، يمكنك اللجوء إلى منصتنا واختيار شخص للتحدّث إليه. ولكن فكّر أيضًا بحجز موعد مع الطبيب أو أخصائي الصحة النفسية. كذلك، تواصل مع صديق مقرّب منك أو أحد أحبائك أو المرجع الروحي للجماعة الدينية التي تنتمي إليها.  

الموارد


الموقع الإلكتروني للمعهد القومي للصحة النفسية وموارده حول منع الانتحار والتوعية بشأنه، وهي متاحة مجانًا ويمكن مشاركتها - https://www.nimh.nih.gov/get-involved/education-awareness/shareable-resources-on-suicide-prevention

منظمة Postpartum Support International - https://www.postpartum.net/- منظمة دولية تُعنى بتقديم الدعم للأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة وتوفر معلومات ومجموعات دعم مجاني دولية متاحة عبر الإنترنت على مدى خمسة أيام أسبوعيًا، بالإضافة إلى خط هاتفي ساخن

الاختبار الذاتي للاكتئاب والقلق، الصادر عن هيئة الخدمات الصحية الوطنية - https://www.nhs.uk/mental-health/self-help/guides-tools-and-activities/depression-anxiety-self-assessment-quiz/ - يرمي إلى مساعدة الأشخاص على فهم ما يشعرون به، وهو لا يحلّ محل التشخيص 

تطبيقات ذات صلة بالاكتئاب:

https://www.suicidepreventionapp.com/

https://www.samaritans.org/how-we-can-help/contact-samaritan/self-help/

المساعدة الذاتية:

https://www.nhs.uk/mental-health/self-help/

https://www.nhs.uk/mental-health/self-help/guides-tools-and-activities/breathing-exercises-for-stress/

https://www.nhs.uk/mental-health/self-help/guides-tools-and-activities/five-steps-to-mental-wellbeing/

منظمة The Depression Project - https://thedepressionproject.com/ - منظمة دولية تُعنى بتقديم الدعم للمصابين بالاكتئاب

References